| يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريـر ؟ | أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟ | 
| بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائـقِ والزهـور | تتلو على الدنيا وما فيها أحاديـثَ الدهـور | 
| بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريـق | واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميـق | 
| بالأمس كنـتَ إذا أتيتُكَ باكيـاً سلَّيْتَنـي | واليومَ صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي | 
| بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجُّعِـي | تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي ! | 
| ما هذه الأكفانُ ؟ أم هذي قيـودٌ من جليـد | قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْـكَ بها يدُ البـرْدِ الشديـد ؟ | 
| ها حولك الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمـال | يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بـهِ ريـحُ الشمـال | 
| والحَوْرُ يندبُ فوق رأسِـكَ ناثـراً أغصانَـهُ | لا يسرح الحسُّـونُ فيـهِ مـردِّداً ألحانَـهُ | 
| تأتيه أسرابٌ من الغربـانِ تنعـقُ في الفَضَـا | فكأنها ترثِي شباباً من حياتِـكَ قـد مَضَـى | 
| وكأنـها بنعيبها عندَ الصبـاحِ وفي المسـاء | جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَـكَ الصافي إلى دارِ البقـاء | 
| لكن سينصرف الشتا ، وتعود أيـامُ الربيـع | فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يـدُ الصقيـع | 
| وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحـوَ البِحَـار | حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثملى بأنـوارِ النهـار | 
| وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيم | وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيـم | 
| والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْـن | والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْـكَ العارِيَيْـن | 
| والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائـبِ والمِـحَن | ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَـرَّ الفَنَـن | 
| وتعود للصفصافِ بعد الشيبِ أيامُ الشبـاب | فيغرد الحسُّـونُ فوق غصونهِ بدلَ الغـراب | 
| قد كان لي يا نـهرُ قلبٌ ضاحكٌ مثل المروج | حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهـواءٌ وآمـالٌ تمـوج | 
| قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَل | واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمـل | 
| فتساوتِ الأيـامُ فيه : صباحُهـا ومسـاؤها | وتوازنَتْ فيه الحياةُ : نعيمُـها وشقـاؤها | 
| سيّان فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء | سيّان نوحُ البائسين ، وضحكُ أبناءِ الصفاء | 
| نَبَذَتْهُ ضوضاء ُ الحياةِ فمـالَ عنها وانفـرد | فغـدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحـد | 
| وغدا غريباً بين قومٍ كـانَ قبـلاً منهـمُ | وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغـزٌ مبهـمُ | 
| يا نـهرُ ! ذا قلبي أراه كما أراكَ مكبَّـلا | والفرقُ أنَّك سوفَ تنشطُ من عقالِكَ ، وهو لا | 
ميخآئيل نعيمه ..
 

 
 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق