01‏/05‏/2012

النهر المتجمّد..






يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريـر ؟ أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟
بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائـقِ والزهـور تتلو على الدنيا وما فيها أحاديـثَ الدهـور
بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريـق واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميـق
بالأمس كنـتَ إذا أتيتُكَ باكيـاً سلَّيْتَنـي واليومَ صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي
بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجُّعِـي تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي !
ما هذه الأكفانُ ؟ أم هذي قيـودٌ من جليـد قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْـكَ بها يدُ البـرْدِ الشديـد ؟
ها حولك الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمـال يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بـهِ ريـحُ الشمـال
والحَوْرُ يندبُ فوق رأسِـكَ ناثـراً أغصانَـهُ لا يسرح الحسُّـونُ فيـهِ مـردِّداً ألحانَـهُ
تأتيه أسرابٌ من الغربـانِ تنعـقُ في الفَضَـا فكأنها ترثِي شباباً من حياتِـكَ قـد مَضَـى
وكأنـها بنعيبها عندَ الصبـاحِ وفي المسـاء جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَـكَ الصافي إلى دارِ البقـاء
لكن سينصرف الشتا ، وتعود أيـامُ الربيـع فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يـدُ الصقيـع
وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحـوَ البِحَـار حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثملى بأنـوارِ النهـار
وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيم وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيـم
والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْـن والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْـكَ العارِيَيْـن
والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائـبِ والمِـحَن ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَـرَّ الفَنَـن
وتعود للصفصافِ بعد الشيبِ أيامُ الشبـاب فيغرد الحسُّـونُ فوق غصونهِ بدلَ الغـراب
قد كان لي يا نـهرُ قلبٌ ضاحكٌ مثل المروج حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهـواءٌ وآمـالٌ تمـوج
قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَل واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمـل
فتساوتِ الأيـامُ فيه : صباحُهـا ومسـاؤها وتوازنَتْ فيه الحياةُ : نعيمُـها وشقـاؤها
سيّان فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء سيّان نوحُ البائسين ، وضحكُ أبناءِ الصفاء
نَبَذَتْهُ ضوضاء ُ الحياةِ فمـالَ عنها وانفـرد فغـدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحـد
وغدا غريباً بين قومٍ كـانَ قبـلاً منهـمُ وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغـزٌ مبهـمُ
يا نـهرُ ! ذا قلبي أراه كما أراكَ مكبَّـلا والفرقُ أنَّك سوفَ تنشطُ من عقالِكَ ، وهو لا

ميخآئيل نعيمه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق